أخبار عاجلة

الأميرة نازلي.. صاحبة أول صالون ثقافي ومُلهمة قاسم أمين

كتبت – نادية البنا:“الأميرة نازلي فاضل”.. سيدة تحدث عنها العظماء في مذكراتهم، رغم أنها لم تهتم بتوثيق مشوارها المؤثر في الحياة الثقافية المصرية، فقد كانت صاحبة أول صالون ثقافي في مصر، وتلك البادرة أحدثت جدلًا كبيرًا حتى تقبّلها المجتمع وكان لها عظيم الأثر ثقافيًّا وسياسيًّا.

انطلق صالون الأميرة نازلي في بدايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين من فيلا هنري بمنطقة وسط القاهرة خلف قصر عابدين، وكان أبرز رواده والمتحدثين عنه في مذكراتهم رواد التنوير والقادة الإمام محمد عبده ومعلمه جمال الدين الأفغاني، وأحمد عرابي ورجاله، وسعد زغلول ومصطفى كامل وقاسم أمين.
كانت حياة الأميرة نازلي مختلفة عمن في عمرها من المصريات، فكانت المصرية الوحيدة التي تتشبه بالأجانب وذلك تأثرًا بحياتها التي كانت بين القاهرة وأوروبا، فهي أميرة وابنة الأمير مصطفى بهجت شقيق الخديو إسماعيل، اعتادت الاختلاط بالرجال محافظة على قيمها العربية ومتباهية بأفكارها الغربية وذلك كان مخالفًا للمعتاد في تلك الحقبة الزمنية.

وبالتدريج تحول قصرها إلى ملتقى لعلية القوم ومفكري مصر، وقد جذب صالونها المفكرين الشرق والغرب، بل الأعداء والمناضلين والثوار.. فنجد من رجال الاحتلال: اللورد كرومر وكتشنر وستورز، يقابلهم فى حينها رواد الحركة الوطنية المصرية، في مقدمتهم جمال الدين الأفغاني وتلميذه النجيب الشيخ محمد عبده والزعيم سعد زغلول وقاسم أمين ومحمد فريد والمويلحي وغيرهم، وقد استمر هذا التناقض مصاحبًا للأميرة نازلي طوال حياتها ومسيرتها.
لم ينحصر عمل الأميرة نازلي داخل هذا الصالون على تحضير المكان فحسب، بيد أنها كانت به بمثابة المحرّك ذي الدفع الرباعي، لذلك كانت ذات أثر بالغ وكانت هي الضارب والعامل الرئيسي في التنوير الفكري والمعرفي لرواده.
وقد كان لحراكها هذا بالغ الأثر، لا سيما في حياة الشيخ محمد عبده الذي حثته جاهدة على دراسة اللغة الفرنسيّة وآدابها دراسة متعمقة للنهل من معينها الوافر وفكرها الزاخر.
تعرّف الشيخ محمد عبده عليها بعد عودته من المنفى بعد الثورة العرابية 1888، ويعرف أن الأميرة نازلي فاضل كانت لها الفضل عليه إذ توسلت إلى الخديو توفيق للعفو عنه، فوافق بشرط ألا يعمل محمد عبده في السياسة مجددًا، وكان قد سبقه في معرفته بها أستاذه جمال الدين الأفغاني والذي تعرف عليها في باريس، وكان وقتذاك معجبا بها لمناصرتها له في حركته التنويريّة بالعروة الوثقى التي كان يتزعمها.
قدم الشيخ محمد عبده اثنين من تلاميذه للانضمام إلى الصالون فكان سعد زغلول الفلاح المصري، وهو محامٍ فأعجبت بشخصيته واتخذته محاميها الخاص وأقنعته بتعلم الفرنسية وآدابها، ورشحته للزواج من صفية هانم، ابنة مصطفى فهمى باشا رئيس الوزراء، كما كانت وراء إقناع اللورد كرومر بتعيينه مستشارًا بمحكمة الاستئناف، وكانت بينهما مناقشات كثيرة حول قضايا العصر، واستمرت صداقة سعد باشا بالأميرة حتى وفاتها، ولازالت صورتها معلقة فى منزله “بيت الأمة”.
وكانت الأميرة نازلى فاضل وراء تبنى قاسم أمين قضية تحرير المرأة، بعد أن كان معاديًا لها، فعندما عاد من فرنسا شن هجومًا كبيرًا على المرأة المصرية فى مقالاته بجريدة المؤيد ووصفها بالمتخلفة، وكان يؤيد ضرورة حبسها وإلزامها بالبيت وعدم مشاركتها فى الحياة العامة، عندما قرأت نازلى تلك المقالات شعرت بأنه يتهمها ويتهم صالونها، فطلبت من الشيخ محمد عبده بأن يدعوه لصالونها.
وعندما التقى بها ناقشته فيما كتبه، فقال قاسم أمين: إنه رأى نفسه أمام صورة رائعة للمرأة المسلمة المستنيرة تعرض أراءها بثقة وتثبتها بأسانيد من المنطق، تتفاعل مع ضيوف صالونها فى حوارات رفيعة تديرها بعدة لغات وتتحدث بطلاقة واقتدار.
وانبهر بها قاسم أمين كنموذج راقٍ لما يمكن أن تصل إليه المرأة المصرية إذا أتيحت لها الفرصة، واقتنع بأن تخلف المرأة الشرقية كان نتيجة قيود اجتماعية فرضت عليها وليس لنقص طبيعى فيها.
وبمشاركة الشيخ محمد عبده، كتب قاسم أمين كتاب “تحرير المرأة” سنة 1899 على نفقة الأميرة نازلى، ثم أصدر كتاب “المرأة الجديدة” سنة 1900.