- صدر حديثا عن الهيئة المصرية العامة للكتاب برئاسة الدكتور أحمد بهي الدين، ضمن سلسلة تاريخ المصريين، كتاب الدكتورة نهى حمدنا الله مصطفى “مصر وشرق أفريقيا.. في عصر سلاطين المماليك”.
رئيس تحرير السلسلة الأستاذ الدكتور صابر عرب ونائب رئيس التحرير الأستاذ الدكتور أحمد زكريا الشلق ومدير تحرير السلسلة الدكتورة أمل فهمى وسكرتير التحرير مرزوق عبد المحسن والإخراج الفني إيمان راشد وتصميم الغلاف الدكتورة هند سمير، والتصحيح طلعت محمد أحمد.
تقول المؤلفة الدكتورة نهى حمدنا الله في مقدمة الكتاب:
كثيرةٌ هي تلك الدراسات التي تناولت تاريخ مصر الإسلامية، وقليلٌ منها تناول منطقة شرقيّ أفريقيا بالدراسة. وقد أثار اهتمامي بهذه المنطقة أن مصر في عصر سلاطين المماليك (648 – 923هـ/1250 – 1517م) تبوَّأت مكانةً كبرى في منطقة البحر الأحمر وأفريقيا. وراحت أساطيلها تسيطر على هذا البحر وتجارته؛ حتى إنه يمكن القول إنَّ البحر الأحمر صار بحيرة إسلامية.
فضلًا عن الجانب الاقتصادي، لا يمكننا أن نغضَّ الطرف عن الجانب الديني الذي كان يمثل بُعدًا مهمًّا في نظر العالم الإسلامي آنذاك والمتمثل في حماية الحرمين الشريفين في الحجاز، ناهيك عن الاهتمام بأوضاع المسلمين في منطقة شرقيّ أفريقيا. وبالتحديد المنطقة التي أُطلق عليها القرن الأفريقي.
انطلاقًا من هذا البُعد الإسلامي وغيره راح سلاطين المماليك يُقيمون علاقات اقتصادية وسياسية ودينية وثقافية بالإمارات التي وُجدت على الشاطئ الشرقي الأفريقي، والتي عُرفت باسم إمارات الطِّرَاز الإسلاميّ.
شغلت تلك الأبعاد الاقتصادية والسياسية والدينية والثقافية مساحاتٍ كبيرةً من العلاقات بين مصر المملوكية وإمارات الطراز الإسلامي السبع، كانت – في تقديرنا – في حاجة إلى إزالة الغموض الذي شابَ أحوال هذه المنطقة. وإماطة اللثام عن أصول هذه العلاقات.
لعب الأحباش دورًا محوريًّا في هذه العلاقات؛ نظرًا للجوار الجغرافي لإمارات الطراز الإسلامي، ومحاولة بسط السيطرة السياسية عليهم، بل واستخدامهم لهذه الإمارات في محاولة الضغط على حكام مصر المملوكية في الجانب الديني؛ إذ كانت كنيسة الإسكندرية هي التي تقوم بتعيين مُطْرَان الكنيسة الحبشية، بل وصل الأمر إلى التهديد بقطع مياه النيل عن مصر .. !
كل ذلك دفعني إلى محاولة البحث في هذه الجوانب، وإزالة ضباب الغموض الذي رانَ على تاريخ هذه المنطقة من الساحل الأفريقي عساي أن أقدم القليل، أو حتى أُمهِّد الطريق لمن يرومون ارتياد هذه المنطقة تاريخيًّا.
بلغ عدد هذه الإمارات سبعًا، وهي: أوفات (وفات) وتُسمَّى أحيانًا جبرت وهي أكبرها وأهمها، بالإضافة إلى دوارو وأرابيني وهدية وشرحا وبالي ودارة، وسُمِّيت بالطِّرَاز الإسلامي لأنها تقع على جانب البحر كالطراز كما وصفها المقريزي، لكن واقع الأمر أن هناك عدة إمارات مثل بالي وهدية وأرابيني ودوارو كانت داخلية ولم تكن على الساحل، وربما كان يقصد أوفات وزَيْلَع وبربرة.
حوى موضوع الدراسة تمهيدًا، وثلاثة فصول رئيسة، فضلًا عن المقدمة وقائمة المصادر والمراجع.
جاء التمهيد يحمل عنوان: خريطة إمارات الطراز الإسلامي في شرقيّ أفريقيا، حيث قدمت تعريفًا لهذه الإمارات وعلاقاتها بمصر الإسلامية قُبَيل العصر المملوكي.
في الفصل الأول تناولتُ العلاقات الاقتصادية بين إمارات الطراز الإسلامي ومصر المملوكية، من حيث طرق التجارة بين الطرفين ومراكزها وأهم السلع.
أما الفصل الثاني، فجاء بعنوان: العلاقات الدينية والسياسية بين مصر وإمارات الطراز من حيث التواجُد الإسلامي في إمارات الطراز، والعلاقة بين الكنيسة المصرية والكنيسة الحبشية، ثم عرضت للرسائل المُتبادَلة بين سلاطين المماليك وملوك الحبشة وأثر ذلك في العلاقات مع مسلمي الطراز.
وأخيرًا جاء الفصل الثالث متناولًا العلاقات الثقافية بين مصر وإمارات الطراز الإسلامي، من حيث دور البيئة الثقافية في مصر لجذب أبناء الطراز لتلقِّي العلم، والعوامل المساعدة في إمارات الطراز لطلب العلم، والوضع الثقافي لإمارات الطراز الإسلامي.
قبل أن أختم هذه المقدمة أرى لزامًا عليَّ ومن باب الأمانة العلمية والوفاء أن أُزجي الشكر خالصًا لكل من مدَّ يدَ العون لي في إخراج هذا العمل العلمي، وأخصُّ بالشكر كل الجهات العلمية والمكتبات، وعلى رأسها مكتبة كلية الدراسات العليا الأفريقية بجامعة القاهرة، ومعهد الدراسات الشرقية للآباء الدومنيكان بالعباسية، بالقاهرة، والمعهد الألماني بالزمالك والمكتبة المركزية بجامعة القاهرة.
اعتمدت هذه الأطروحة على عدة مصادر متنوعة، على رأسها المصادر الأصلية التي عاصَرت هذه الأحداث وأفادت الدراسة إفادة طيبة، ناهيك عن المراجع الأخرى التي أنارت للباحث طريق السير في هذه الدراسة بما قدمته من آراء مختلفة.
جرى عرض وكتابة هذه الدراسة من خلال منهج علمي هو المنهج التاريخي بكل مراحلة، وأهمها مرحلة النقد، ظاهرها وباطنها، محاولة السير على هدى منه وصولًا إلى الحقيقة التاريخية أو الاقتراب منها.
حاولتُ – بكل تواضع – إبداء الرأي أو التعليق على بعض الإشكاليات التي مثلت علامات استفهام أمامي. كما أنني اجتهدتُ بقدر ما أوتيتُ في عرض أطروحتي بلغةٍ عربيَّةٍ سليمةٍ بعيدة عن زُخرف القول أو التدنِّي بها، فتضيع المعاني بين هذا أو ذاك، بل حاولت أن أبتغي بين ذلك سبيلًا.
ولن أنسى أبويَّ الكريمين.. أمي التي وفرت لي كل سبل الراحة، وأبي الذي راجع معي مُسوَّدة الدراسة واستفدتُ من خبرته الطويلة في تاريخ أفريقيا كونه متخصصًا بها، فلهما مني كُلُّ البِرِّ والدعاء بموفور الصحة والعافية.
أخيرًا أقول… إنني لا زلت أحبو في طريق العلم؛ فالعلم بحرٌ لا شاطئَ له، ولا أدَّعي أنني كتبتُ الفصل الأخير في هذه الدراسة.. فباب الاجتهاد كما علمني أساتذتي مفتوح على مصراعيه لكل مجتهد ومفكر، فهل أنال ثواب المجتهدين؟!