كتبت: د. سهى على رجب
تنبه العالم لأهمية الصحافة الموجهة للطفل مبكرا، وهنا نرصد تاريخا حافلا لصحافة الطفل، فقد نشأت صحافة الأطفال فى القرن التاسع عشر حيث ظهرت أول صحيفة للأطفال فى العالم بين عامى 1747-1791م فى فرنسا لأديب لم يفصح عن اسمه، واتخذ اسما مستعارا له هو «صديق الأطفال»، وأطلق الاسم نفسه على الصحيفة، وقد نقل عن طريق صحيفته إلى الأطفال الفرنسيين قصص الأطفال فى البلدان الأخرى من اللغات المختلفة، وبذلك استطاعت هذه الصحيفة أن تسد فراغا كبيرا من ميول الأطفال، وأن تشبع رغبتهم فى القراءة المسلية الممتعة بعيدا عن النصائح والإرشادات الأخلاقية التعليمية، وبهذا، أصبحت هذه الصحيفة بعثا لحركة الكتابة للأطفال.
وبعد اختفاء مجلة «صديق الأطفال» ربما لوفاة صاحبها، ظهرت مجلة أطفال فى عام 1830 فى فرنسا أيضا وكانوا قراءها من أبناء الطبقة البرجوازية من ذوى الثقافة الرفيعة ولم يلبث التطور أن حل بالصحافة شأنها شأن غيرها من أنواع الإنتاج وتغيرت الظروف الاجتماعية مع التطورات الاقتصادية وانتشار التعليم وزيادة عدد الأطفال ممن يعرفون القراءة وازدهار الصناعة وتطور آلات الطباعة، مما أثر بشكل إيجابى على عملية إنتاج المجلات المصورة والرسوم الملونة بأسعار قليلة تسمح لكل لأغلب الطبقات باقتنائها.
وفى العام 1870 ظهرت صحافة الطفل فى مصر على يدى رفاعة رافع الطهطاوى، صحيفة «روضة المدارس» أول الصحف المصرية التى تخدم تلاميذ المدارس، واقتصر توزيعها عليهم، وقد أقبلوا على قراءتها منذ صدورها، ثم ظهرت مجلة «جورنال المدرسة» التى أشرف عليها مصطفى كامل عام 1893.
وبعد ذلك بسنوات قليلة نشأت صحيفة للأطفال فى الولايات المتحدة على شكل ملحق مصور لجريدة وورلد عام 1896 وظهر فى هذا المحلق رسوم هزلية لأول مرة.
ومن أهم صحف الأطفال التى ظهرت فى إنجلترا فى هذا الوقت «تشيلدرين نيوز بيبير» وصمدت هذه الصحيفة أمام منافسيها، لكن صحافة الأطفال فى إنجلترا عانت كثيرا على المستوى الاقتصادى، وأغلق أغلبها أبوابها وتوقفت عن الصدور، وفى الوقت الذى كانت مجلات الأطفال تحتضر بإنجلترا كانت الصحف الأمريكية الهزلية تغزو السوق الإنجليزى وتمكنت من المنافسة بفضل حفر الأكلشيهات وما أدخل على الفن الصحفى من تقدم مع الوقت.
وظلت مصر رائدة فى هذا المجال حيث امتدت فترة صحافة الأطفال ذات الطابع المدرسى حوالى ثلاثين عاما، وحتى مطالع القرن العشرين، إلى أن ظهرت أول صحيفة للأطفال ذات طابع تجارى وهى «مجلة الأولاد» التى صدر العدد الأول منها فى 1923م، وكتب صاحبها إسكندر مكاريوس فى أول عدد لها أنها أول مجلة عربية صدرت خصيصا وإكراما لأحبابنا الأعزاء الأولاد ما بين 6-13سنة، وهى أدبية مسلية، كانت للمجلة رسام مخصوص وكان تركيا اسمه على رفقى، عمل كبير اليوران فى عهد السلطان عبد الحميد وغادر تركيا بعد وصول أتاتورك للحكم متوجها إلى مصر حيث احترف الرسم الصحفى، وفى ذلك الوقت كان فى مصر رسام إسبانى يرسم فى مجلة الكشكول وكان يقف مع القصر ضد الشعب ويسخر من سعد زغلول فى كل عدد من أعداد المجلة! وكان الرسام التركى على رفقى على عكس ذلك ينحاز للشعب وانضم لمجلة الهلال وصار يدافع عن سعد زغلول وعن إرادة الشعب، وله لوحة رائعة رسمها فى وفاة زعيم الأمة سعد زغلول رسم فيها شعب مصر خارجا لوداع زعيمه ومعهم مصر عالية المهمة مرفوعة الرأس، وفى نفس الوقت رسم غلاف مجلة الأولاد عبارة عن لوحة سوداء بها نجم يهوى، وكانت حالة متفردة آنذاك فى مجال أغلفة مجلات الأطفال.
ثم جاءت السيدة درية شفيق التى أصدرت عددا من مجلات الأطفال فى مصر منها: مجلة «الكتكوت» عام 1948 ومجلة «دنيا الأحداث» عام 1955. وعندما ظهرت مجلة «على بابا» عام 1951 وأعقبتها مجلة «سندباد» عام 1952 احتدمت المنافسة بينهما، فقد كانت مجلة «على بابا» تصدر عن مطابع الشمرلى وكان يرسمها الفنان مصطفى كمال، بينما كانت مجلة سندباد التى أصدرها محمد سعيد العريان تُرْسم بريشة الفنان بيكار الذى تمكن من جذب الأطفال برسوماته، مما دفع مجلة «على بابا» إلى استقطاب الفنان حسين فوزى لينافس بيكار فى «سندباد»، إلا أن ميل إدارة مجلة «على بابا» إلى مانشيتات الثورة نفَّرَ الأطفال، وصرف اهتمامهم عن المجلة.
مصر حالة خاصة
وفى 15 أبريل 1956 صدر العدد الأول من مجلة «سمير» عن دار الهلال المصرية وبه 16 صفحة ملونة من القطع الكبير وبسعر قرشين، ثم زاد عدد الصفحات إلى 24 والسعر بنصف قرش مع العدد 52 آخر السنة الأولى للمجلة.
مجلة «سمير» بدأها الرسام الفرنسى «بيرنى» ثم انضم إليه رسامون أرمن مثل هارون ثم جاء المصريون ليحدثوا نقلة كبيرة فى مستوى المجلة، خاصة وأن للمجلة قصة شهيرة حين صدر عددها الأول فحملته رئيسة تحريرها وقتذاك نجيبة حسين وسافرت إلى الولايات المتحدة للقاء «والت ديزنى» الذى أبدى إعجابه بمستوى المجلة الفائق وأبدى دهشته لكون رئيسة تحريرها امرأة، وقال لها: «نحن فى الولايات المتحدة لم نعرف بعد ـ حتى الآن ـ أن تكون هناك رئيسة تحرير امرأة»! وفى خلال اللقاء لفت نظر الأستاذة «نجيبة حسين» أن هناك لوحة فرعونية كبيرة خلف مكتب «والت ذيزنى» هى لوحة الألعاب الرياضية التى تحتوى على مائة لقطة رياضية، وفوجئت بديزنى يقول لها: «إننا اكتشفنا السينما فى خلال هذه اللوحة التى إذا مررت ببصرك عليها بسرعة ستشعرين وكأن الأشخاص يتحركون»! بعد فترة أرسل «والت ديزنى» أخاه إلى مصر لزيارة مجلة «سمير» واستقطاب بعض الرسامين العاملين بها، خاصة أولئك الذين يرسمون تراثا عربيا شرقيا، وبالفعل استطاع ضم لطفى وصفى الذى كان يرسم سلسلة «عنترة»، و»مادى» مبتكر شخصيتى «علاء وكندوز»، وهانى المصرى المختص فى رسم التراث العربى، وعلى هؤلاء الرسامين قامت شركات «ديزنى» المختصة بالشرق الأوسط.
ويحكى الأديب عبد الرحمن بكر تجربة خاصة له فى صحافة الأطفال حيث قام هو وشقيقه مجدى وصديقهما ياسر نصر ـ وكانوا فى الصف الثالث الإعدادى ـ برسم مجلة للأطفال أسموها «الأصدقاء»، ولونوا أعدادها الثلاثمائة بأيديهم، وباعوها فى الشارع بخمسة وعشرين قرشا للعدد، ثم ذهبوا لمقابلة الأستاذ عمر عبدالعزيز صاحب روايات الجيب ليسألوه عن كيفية استخراج ترخيص للمجلة، واستقبلهم الأستاذ عمر بحفاوة بالغة وقال لهم سأقول لكم سرا: «اكتبوا على مجلتكم عبارة إصدار غير دورى لكى لا تلتزمون بموعد»، ثم أعطاهم مقالة له وطلب منهم أن يرسموها فرسموها كل واحد من زاوية. بعد ذلك ذهب الأصدقاء الثلاثة: (عبدالرحمن ومجدى وياسر) لمجلة سمير وقابلوا رئيسة تحريرها «نتيلة راشد» وقالوا لها: «نحن رسامون ونريد أن نعمل معك»! فأجلستهم فى مكتبها وطلبت منهم أن يرسم كل واحد فيهم شخصية من شخصيات مجلة «سمير»، ثم كلفت رسامى الشخصيات لكى يعلموهم، إلا أن بعد المسافة عن القاهرة جعلهم ينقطعون بينما كانت هى حريصة على رعايتهم وتعليمهم.
ورأت دار الهلال أن تصدر مجلة أخرى باسم مجلة «ميكى» سنة1961م، ثم توقفت عن إصدارها فى عام 2003 بسبب مشاكل مع ديزنى وأعادت إصدارها دار نهضة مصر فى شهر يناير 2004م. ومعظم موضوعاتها نسخة عربية من سلسلة مجلات ميكى الأمريكية لمؤسسة والت ديزنى. وفى 4 سبتمبر 1971، أصدرت مؤسسة الأهرام طبعة باللغة العربية من مجلة »تان تان»، ثم جاء العدد الأول مجلة »علاء الدين»، والذى صدر فى 1 يوليو 1993، وقد كانت مجلة علاء الدين لكل أبناء مصر من سن7 إلى17 سنة، تستخدم فى كتابتها وطباعتها أحدث وسائل تكنولوجيا الطباعة والإتصال، حيث تعتبر أول مجلة مصرية تجمع وتطبع بالكمبيوتر، إلى أن ظهرت مجلة «سوبرمان» وهى مجلة مصرية تصدر عن دار نهضة مصر، صدر العدد الأول منها فى صيف 1997م بترخيص من شركة دى سى كوميكس الأمريكية، وهى مجلة غير منتظمة الصدور، تُوجه المجلة إلى سن الشباب ولا توجد فيها أبواب ثابتة ما عدا باب لقاء الأصدقاء الذى ينشر مساهمات القراء من أشعار وقصص قصيرة ومعلومات ورسومات ومتاهات من إعداد قراء المجلة تحت عنوان ركن الهوايات، ويحتوى كل عدد على قصة كاملة من القصص الكرتونية لسوبرمان. وفى السنة التالية ظهرت مجلة «بلبل» فى أغسطس 1998، والتى كان ينتظر الأطفال أعدادها بشغف لا ينازعه شغف.
وبعيدا عن المؤسسات الصحفية أصدرت الهيئة العامة لقصور الثقافة مجلة «قطر الندى» صدرت لأول مرة فى صيف عام 1995م، حاملةً شعار «مجلة كل البنات والأولاد» وتوجه المجلة إلى الأطفال من جميع الأعمار.
ومن خلال السطور الماضية نلاحظ أن صحافة الطفل فى مصر كان لها دور رائد منذ البدايات، وحاول القائمون عليها على مدار عقود طويلة تقديم كل ما هو جديد من أجل طفل مصرى واع.
** نشر في ملف خاص بثقافة وفنون الطفل في العدد 1181 من جريدة «القاهرة» بتاريخ 7 مارس 2023