أخبار عاجلة

بين صعوبة النشر وندرة الجوائز … تحديات الكتابة للطفل 

د.عفاف طبالة: أطالب بإعادة نشر الكتب الفائزة بجوائز مكتبة الأسرة

أحمد سويلم: كتُاب الأطفال يواجهون نظرة غير عادلة تزعم أنهم يقدمون إنتاجًا سهلا

سماح أبوبكر عزت: لا بد من وجود حركة نقدية تواكب الإنتاج الإبداعى بمجال الطفل

انتصار عبد المنعم: دور النشر فى مجال الطفل تخضع لآلية السوق وليس الموهبة

عبده الزراع: وضع الجوائز تغير للأفضل فى السنوات الأخيرة لكننا نطمح للمزيد 

رانيا أمين: الجوائز المقدمة لأدباء الطفل والناشرين ما زالت قليلة 

 

تحقيق: سماح عبد السلام

 

 على الرغم من أن الكتابة للطفل تُعد من أصعب مجالات الإبداع، كونها تُشكل عاملا أساسيًا فى تكوين شخصية طفل اليوم وعماد المستقبل ومن ثم فإن كاتب الأطفال يواجه تحديات صعبة تدفعه لكى يتعامل مع هذا النوع الإبداعى بحذر شديد متسلحًا بثقافة ووعى كبيرين فيما يخص فهم سيكولوجية الطفل، إلا أن هذا الجنس الأدبى يعانى من معوقات النشر إضافة لتقلص الجوائز المخصصة له مقارنة بمجالات الإبداع الأخرى، وغيرها من الأمور التى تؤثر سلبا على هذا المجال.

«القاهرة» استطلعت آراء عدد من كتُاب الأطفال للوقوف على أبرز التحديات التى تواجههم فى هذا المجال.

فى البداية قالت الدكتورة عفاف طبالة إنها لا تستطيع القول بأن الجوائز المخصصة للطفل قليلة خاصة مع استحداث جائزتى كامل الكيلانى وساويرس. ولكنها تنتقد دور النشر التى تقتسم الجائزة مع الكاتب، وتتساءل كيف تصل دار إلى هذا المستوى؟ فضلا عن أن بعض الدور تشترط أن يدفع الكاتب مبلغا كى تقوم بالنشر له بغض النظر عن جودة الكتابة أو الفكرة، وبالتالى يصبح لدينا كاتب للأطفال ربما يكون إنتاجه دون المستوى.

وترى د.عفاف طبالة أن مشاريع النشر بها مخاطرة كبيرة ولكن عندما يكون الكاتب كبير وله اسم تصبح المخاطرة مضمونة نوعا ما، وبالتالى على الكاتب أن يجعل من نفسه كاتبًا كبيرًا بتجويد منتجه.

وتستطرد: أذكر أن أول كتاب صدر لى فى مجال الطفل كنت بعمر الرابعة والستين وقد مر هذا الكتاب على دارى نشر لتتم إجازته كما حصل على جائزتين بعد نشره ومن ثم كانت لدى الدار دوافع كبيرة للتعاقد معى وأصبح لديها ضمان بالمخاطرة بمنطق الحساب لأن الناشر شعر بأنه سيكسب جراء تعاقده مع كاتب حائز لجوائز سابقة عبر كتب نشرها له. وتؤكد د.عفاف على ضرورة توافر وسيلة لتقديم الكُتاب المبتدئين بعيدًا عن الواسطة لضمان طرح منتج جيد فى مجال الطفل. ودعم الكاتب عن طريق إعادة نشر الكتب الفائزة والمنشورة بدور نشر خاصة بإعادة نشرها أو طرحها عبر مكتبة الأسرة بأسعار مخفضة لتكون فى متناول القارئ. هذا هو أفضل دعم.

أما الشاعر أحمد سويلم، الذى قدم إبداعا متميزا فى مجال شعر الأطفال، فيرى أن هناك نظرة غير عادلة لكُتاب الأطفال ربما تعتمد على أن الكتابة للأطفال أقل درجة من الكتابة للكبار، وهذا غير حقيقى، لأن الكتابة للطفل إن لم تكن مثل قرينتها للكبار فهى من أصعب الكتابات بل وأصعب ألوان الإبداع لأنها تتطلب شروطًا أكثر قسوة ودقة وأكثر علمية من الكتابة للكبار حيث تتطلب فهم سيكولوجية الطفل الذى يكتب له، وأن يكون الكاتب واسع الثقافة والمعرفة وعلى معرفة بقواعد العمل الفنى الذى يكتب به إلى جانب تبسيط اللغة والجماليات المناسبة للمرحلة العامة.

ويستدرك: مع ذلك فقد حصل الكاتب يعقوب الشارونى مؤخرًا على جائزة الدولة التقديرية، فيما حصل عبد التواب يوسف من قبل على عدد من الجوائز، كما حصلت الكاتبة فاطمة المعدول على جائزة المجلس الأعلى للثقافة، ربما يدُل ذلك على الانفتاح على هذا اللون وهو الكتابة للأطفال، ونتمنى فى السنوات القادمة أن يهتم المسئولون عن الثقافة بهذا اللون من الإبداع.

ويضيف سويلم أنه يرى الجوائز المقدمة لأدباء الطفل فى طريقها إلى أن ينُظر إليها نظرة مختلفة، ويتمنى أن يزيد عددها حتى يتم تشجيع الكتُاب على الكتابة للطفل لأنه هو رجل المستقبل وصانع الغد فلا بد أن نهتم به ونهتم بما يكُتب له.

 أما عن آلية النشر للأطفال، فيشير سويلم إلى أنه اطلع على الكتب الصادرة هذا العام، ووجد أن معظم دور النشر تتنافس على إصدار كتب خاصة بالمراحل المبكرة للطفولة، متابعا صحيح أن هذه الكتب مكلفة، ولكن الأطفال يحبونها ويتعلمون من هذه الكتب متنوعة الصور، كما لاحظت اهتماما من دور النشر بنشر كتب لأسماء كثيرة غير معروفة، منها الجيد ومنها غير الجيد.

 وهنا أشير إلى مشاركتى مؤخرًا بمؤتمر بكلية الطفولة فى جامعة دمنهور، الذى ناقشنا من خلاله موضوع «الطفولة المبكرة ونهضة مصر 2030»، ولفت نظرى الاهتمام الكبير بإنتاج أدب للأطفال ودراسته دراسة علمية ونقدية، الأمر الذى ينبئ بتنامى حركة نقدية تهتم بما يقُدم للأطفال وفرزه بحيث يتم الإبقاء على الأعمال الجيدة.

من جانبها قالت الكاتبة سماح أبو بكر عزت: منذ وقت بعيد كان أدب الأطفال لا يجد اهتمامًا كافيًا ولا حركة نقدية مثل أدب الكبار، ولكن خلال الفترة الأخيرة بدأ الاهتمام به يتزايد خاصة بعد استحداث جائزة كامل الكيلانى منذ بضعة أشهر وقيمتها تصل إلى مائة ألف جنيه، وهذا إنجاز يمثل بارقة أمل، كذلك فقد أضيف لجائزة ساويرس فرع لأدب الطفل». موضحة أنه «من الممكن فى المستقبل أن يكون هناك جوائز أكبر لأن أدب الطفل يستحق ويجب دعم الكتُاب الذين يقدمون إنتاجًا مميزًا، وتابعت: نأمل فى تخصيص جوائز أكثر فى المستقبل لأن أدب الطفل عانى التهميش وعدم إلقاء الضوء عليه والاعتقاد بأن الكتابة للأطفال أمر سهل لا يستحق أن نخصص له جوائز، لكنه فى الواقع من أصعب الكتابات وخاصة إذا كان الكاتب يكتب بشكل يراعى فيه الاقتراب من نفسية الطفل وتقديم أفكار جديدة وجذابة وليست مجرد حكايات وقصص.

 وتابعت: الكتابة للطفل حاليًا أصعب من السنوات السابقة، فلن نستطيع أن نقنعه بحكاية خيالية سطحية أو نعتمد على اجتذابه بصور يشاهدها لأنه يستطيع الاطلاع على الإنترنت ويرى فيه كل شىء، ولكى يترك الطفل هذا الجهاز ويمسك قصة يقرأها أو تحكى له والدته فالأمر صعب ويحتاج من الكاتب أن يفكر فى موضوع يشغل ذهن الطفل.

وأضافت أنه لا بد أن يكون هناك اهتمام بالجوائز المقدمة لكتاب الأطفال والرسامين. بالإضافة لضرورة وجود حركة نقدية تواكب هذا الإنتاج بحيث يعرف الكاتب وجهته، فإذا كان النقد متوازنا سيجعل الكاتب ينتبه إلى القصور الذى ربما تعانية كتابته. النقد عامة يكون فى صالح الأدب.

أما فيما يتعلق بآلية تعامل دور النشر فى مجال الطفل فترى سماح أبوبكر أن الأمر يتوقف على دار النشر، فهناك دور يحكمها النص الجيد وأخرى يحكمها الكاتب الذى سيبيع. أما دار النشر الجيدة فهى التى يمكن أن توازن بين الجانبين بحيث تنشر للكتُاب المعروفين وفى نفس الوقت تمنح الفرصة للكُتاب المبتدئين، وإلا متى سيكون لدينا كتُاب جُدد مواكبين لحركة الكتابة للطفل؟. وهنا تشير إلى أنه خلال مشاركتها بالتحكيم فى جائزة الأطفال بالدورة الأخيرة من معرض القاهرة الدولى للكتاب، كانت الجائزة مناصفة بين عملين أحدهما للكاتب وليد طاهر عن دار نهضة مصر، والآخر للكاتبة هند الشلقانى نشرته على نفقتها الخاصة. فكان الحكُم بأن النشر جيد من حيث الكتابة والمعالجة والفكرة فتم المساواة بين النصين. لم يتم التفريق بين الكاتبين بمعنى أن الأول كاتب ورسام معروف كتابه صادر عن دار نشر كبيرة والكاتبة الثانية ليست معروفة بالقدر الكبير مما يؤكد أن النص كان هو الحكم. لا بد أن تُعطى دور النشر الفرصة للكتاب المبتدئين والنص هو الفيصل، الجيد منه سيفرض نفسه، لأن كل الكتُاب بدأوا صغارا وثبتوا أنفسهم مع مرور الوقت.

وفى سياق متصل قالت الكاتبة انتصار عبد المنعم، إنه ربما نستطيع تفسير قلة عدد الجوائز المخصصة لمجال الكتابة للطفل إلى النظرة القديمة لمجال أدب الطفل على أنه مجال سهل، يسلكه الكاتب فى أولى خطواته فى عالم الكتابة، قبل أن ينتقل إلى الكتابة للكبار، تلك الرؤية القائمة على فرضية ذهنية خاطئة بأن الكتابة للطفل لا تحتاج إلى مجهود كبير من الكاتب، وعليه فمن يكتب للطفل هو كاتب من الدرجة الثانية، فى التعاملات الثقافية، والمادية، وما يتعلق بأمور النشر وغيرها، ولذلك كانت دور النشر الكبرى لا تنشر إلا للأسماء المعروفة، وتعيد نشر الأعمال القديمة، وفى نفس الوقت – وعلى نطاق واسع – تنشر كتب الأطفال المترجمة حتى وإن كانت لا تلائم العصر الذى نعيش فيه.

وواصلت: المتابع للمشهد يجد أن هذه الرؤية بدأت فعلا فى التراجع كثيرا، وأصبح النص الجيد هو معيار النشر، وظهر جيل جديد من البارعين فى مجال الكتابة والرسم للطفل، لكن مجال النشر، يخضع لآلية السوق وليس للموهبة، وبسبب تخوف دور النشر المحلية من المغامرة بنشر أعمال لكاتب غير معروف، وعدم إيمانها بجدوى تقديم أسماء جديدة، وبطء عملية النشر فى المؤسسات الرسمية، كذلك التشكيك فى عملية تحكيم الأعمال المقدمة للنشر فى بعض الجهات، والجوائز وشبهة المجاملات، اتجهت الأجيال الجديدة من المهتمين بمجال أدب الطفل من الرسامين والكتاب، إلى النشر فى دور عربية، تبحث عن النص الجيد وليس الاسم المعروف، أيضا الاشتراك فى المسابقات العربية الكبرى، رغبة فى إثبات التواجد أكثر من الرغبة فى الفوز نفسه.. ومن المدهش أنه فى كل عام، لا تخلو جائزة عربية من فائزين لأسماء لم تكن على قائمة الاهتمام المحلية، ولم تحظ بوساطة أحد، لكن كان نصها الفائز هو جواز مرورها إلى المراكز الأولى.

ومن جهته قال الكاتب عبده الزراع، إنه فى السنوات الخمس الأخيرة أصبح هناك اهتمام كبير من قبل مؤسسات الدولة الثقافية، إذ فاز الكاتب الكبير يعقوب الشارونى بجائزة الدولة التقديرية فى الآداب عام 2020، وفاز أيضا بجائزة الدولة التقديرية الشاعر الكبير شوقى حجاب، وهما من كبار كتاب الأطفال على مستوى مصر والوطن العربى، وخصصت السيدة انتصار السيسى جائزة للمبدع الصغير تُمنح كل عام فى الشعر والقصة والمسرح والفنون المختلفة والابتكارات العلمية، وهى لتشجيع الأطفال على القراءة والثقافة والإبداع، كما أطلقت العام الماضى من المجلس الأعلى للثقافة جائزة كامل كيلانى لأدب الطفل، ومؤخرا أطلق المركز القومى لثقافة الطفل جائزة لأدب الاطفال فى فرع أدب اليافعين، وجائزة ساويرس فى أدب الطفل التى أطلقت منذ عامين أيضا. فالحال قد تغير إلى الأفضل فى السنوات الأخيرة، ولكننا نطمح إلى المزيد من الجوائز والاهتمام.

ويرى الزراع أن دور النشر فى مجال كتب الأطفال تعتمد على الأسماء الكبيرة بشكل أساسى نظرا لتحققها من جهة وتحقيقها لمبيعات مرضية من جهة أخرى فى وقت تُكلف طباعة كتب الأطفال مبالغ طائلة نظرا لارتفاع سعر الورق والأحبار والطباعة، فالناشر يهمه المكسب المادى حتى يستطيع أن يستمر فى النشر، ولكن للأمانة هناك بعض الدور الكبرى تقدم بعض الأسماء الشابة وإن كانت قليلة إلا أنها تراهن على ما يكتبون من إبداع جيد، وكثيرا ما تحصل كتبهم على جوائز عربية كبرى. 

وأضاف أن سوق نشر كتب الأطفال محاطة بالمخاطر وسط قلة القراءة وتراجعها مقارنة بما يقتضيه الطفل على السوشيال ميديا، مما يجعل الناشر الخاص يفكر كثيرا قبل الإقدام على الطباعة. مشيرا إلى أبرز معوقات النشر فى مجال أدب الأطفال والتى تتمثل فى ندرة الكتابات الجيدة لصعوبة الكتابة للأطفال التى تحتاج إلى قدرات خاصة واستثنائية تنبع من موهبة كبيرة، وتكلفة الطباعة الباهظة، وكذلك تسويق الكتاب، وارتفاع أجور رسامى كتب الأطفال وندرة الرسامين الجيدين، وإن وجد مؤخرا جيل رائع من الرسامين الشباب الذين يرسمون للأطفال. ولكن فى الأخير، لا بد من القول بأن وزارة الثقافة ممثلة فى قطاعاتها المختلفة تحاول سد العجز فى هذا المجال إذ تقدم عددا كبيرا من السلاسل الأدبية فى مجال نشر كتاب الأطفال.

وفى الإطار ذاته رأت الكاتبة رانيا أمين أن الجوائز تصنع فرقًا كبيرًا حيث تدفع الناشرين لتقديم كتب كثيرة فى مجال الطفل، وتدلل على رأيها بجائزة مسابقة سوزان مبارك، برغم أنها كانت الوحيدة فى ذلك الوقت، فكانت ميزتها أن الكتب الفائزة كان يتم توزيعها على كل المدارس، الأمر الذى يحقق مكاسب كبيرة للناشرين وبالتالى كانت هناك حركة فى النشر وقد تزامن هذا مع بداية عملها بمجال الطفل قبل عشرين عامًا.

وواصلت: حاليا هناك مسابقات خارج مصر مثل الشارقة والشيخ زايد وجوائزها ذات قيمة كبيرة، وأصبحت المنافسة صعبة، ولفترة كبيرة من الوقت كنا نحتاج لجوائز مصرية، وهذا ما بدأ يتحقق بالفعل ففى العام الماضى تم استحداث جائزة المجلس الأعلى للثقافة، ولكن تظل الجوائز بشكل عام قليلة، والمشكلة أيضا أن الجائزة تمنح للكاتب والرسام فقط، ولا يوجد جوائز للناشرين وهذا من شأنه ألا يشجعهم على العمل، خاصة أن الناشر يواجه مشكلة زيادة فى أسعار الورق والطباعة بالتالى سيقلل إصدار كتب، وبالتالى سنواجه مشكلة ككتاب.

وأوضحت رانيا أن إشكالية نشر كتب الأطفال تتمثل فى ارتفاع التكلفة وخاصة أن الناشر يعطى للرسام مبلغا كبيرا يزيد إذا كان رساما معروفا. كما أن دار النشر تفضل التعاقد مع صاحب الاسم المعروف وهذا أمر غير عادل ولكن عزاءنا أن بعض الناشرين بدأوا يستوعبون أن الكتابة تحتاج لدم جديد ولشباب يكتبون بلغة الطفل ومن هنا يمكن أن تتاح فرص أكبر لشباب الكتاب.

 

** نشر في ملف خاص بثقافة وفنون الطفل بالعدد 1181 من جريدة «القاهرة»، بتاريخ 7 مارس 2023