كان وما زال الغناء طقسا يوميا فى حياة البشر، ارتبط بجميع مناسبات الحياة من أفراح وأحزان، من ضمن طقوس الغناء التى تمارس بشكل يومى غناء الأطفال أثناء اللهو واللعب أو الغناء لهم قبل الخلود إلى النوم والتى غالبًا ما تحتوى على العديد من القصص القصيرة المحفزة للخيال التى تساعد الأطفال على الخلود إلى النوم سريعًا ومن ثم أحلامًا هانئة.
وعلى الرغم من أن القصص والحكاوى الخيالية تلقى رواجًا لدى الأطفال إلا أن الغناء يظل هو الوسيلة الأسرع فى الحفظ، ويزخر الفلكلور المصرى بالعديد من أغانى الأطفال التى ما زالت تورث حتى الآن، تمتاز بالعفوية فى المفردات والبساطة فى الألحان التى تحتوى على جملة واحدة تتكرر مما يجعلها سهلة الحفظ والتذكر، لا تعتمد على نصوص ثابتة بل دخل عليها بعض التعديلات من كل جيل حتى تناسب زمانها.
فى الموسوعة المصرية لأغنيات الطفل… الشعر الشعبى الصادرة عن الهيئة العامة للكتاب يقسم الباحث والشاعر مسعود شومان أغانى الأطفال الشعبية إلى قسمين: الأول أغان تُغنى للطفل، والثانى : أغان يغنيها الطفل.
ودائمًا ما يرتبط القسم الأول بمناسبات معينة مثل أغانى السبوع وأشهرها «حلقاتك برجالاتك»،أغانى التهنين والنوم «نام نام وادبح لك جوزين حمام»، أغانى الختان «يا أم المطاهر رشى الملح» أما القسم الثانى يحتوى على الأغانى التى يغنيها الطفل أثناء اللعب مثل «فتحى يا وردة – بابا جاى امتى»، تلك الأغانى ما زالت حاضرة حتى الآن وبقوة فى تلك المناسبات والتجمعات الصغيرة يحفظها الجميع ويتوارثها الأجيال.
أغانى الأطفال فى الطقاطيق والسينما:
دخلت أغانى الأطفال إلى شركات إنتاج الأسطوانات عبر الطقاطيق الشعبية التى كانت تعيش فترة انتشار كبيرة فى أوائل القرن الماضي، أغلبها كانت أغانى «التهنين» التى تساعد الأطفال على الخلود النوم سريعًا أشهرها «خد البزة واسكت خد البزة ونام» التى لحنها خالد الذكر سيد درويش وصدرت مرتين الأولى بصوت الست «نعيمة المصرية» والثانية بصوت المطرب والملحن «زكى مراد»، ومعها صدرت عدة أسطوانات لأسطوات الطرب مثل «ننه نام هووه» من غناء منيرة المهدية و«هووه ننه نام» للست مفيدة أحمد، ونلاحظ تشابه المفردات المستخدمة والمستوحاة من التراث مع اختلاف المفردات فى بقية الطقطوقة.
مع ظهور السينما دخلت أغانى الأطفال لضرورة درامية داخل سياق أحداث الفيلم، فى فيلم «نشيد الأمل 1937» غنت السيدة أم كلثوم «نامى يا ملاكي» من كلمات أحمد رامى ولحن محمد القصبجى تلك الأغنية التى يمكن اعتبارها أول أغنية سينمائية للأطفال تغنيها مطربة كبيرة.
لكن يظل الظهور الأهم لأغانى الأطفال من نصيب المطرب والملحن «محمد فوزى» الذى وظف أغنية «ذهب الليل طلع الفجر» دراميًا بشكل جيد فى فيلم «معجزة السماء 1956»وحقق بها نجاحًا ضخمًا فاق نجاح الفيلم نفسه، وخرج بعدها وهو فى ذهنه صنع أغان موجهة للأطفال خارج سياق الدراما مثل «ماما زمانها جاية» التى قام بتصويرها سينمائيًا وأصبحت أيقونة أغانى الأطفال حتى الآن ومعها أغنية «كان وإن» التى كانت تشرح للأطفال بشكل مبسط ما حدث فى ثورة يوليو 1952.
لا يمكن تجاهل أيضًا الدور الذى لعبته الطفلة المعجزة «فيروز» التى صنعت العديد من الأغانى التى لاقت رواجًا كبيرًا بين الأطفال مثل «معانا ريال» ثم ظهرت أغانى أخرى مثل «سيد الحبايب» من أداء شادية فى فيلم «المرأة المجهولة 1959»، «أمورتى الحلوة» من أداء صباح فى فيلم «نار الشوق 1970» كما غنت المطربة فايزة أحمد بعض أغانى الأطفال مثل «إلهى يحرسك – بنتى أمورة وحلوة – يالا ينام ابنى» لكن يظل فوزى هو رائد الأغنية الموجهة للأطفال، حيث ركز أن تكون بسيطة فى كلماتها وفى ألحانها حتى يسهل حفظها وانتشرت انتشارًا كبيرًا بين الأطفال على العكس من الأغانى الأخرى التى انتشرت بين الكبار حتى تحولت سيد الحبايب إلى أغنية تذاع دومًا فى الاحتفال بعيد الأم.
التليفزيون وثورة الكاسيت.
التليفزيون:
مع إنشاء التليفزيون أصبحت هناك فترة مخصصة لبرامج الأطفال مثل «عصافير الجنة – سينما الأطفال» وابتكرت العديد من الشخصيات ذات الهوية المصرية مثل مثل «بقلظ – بوجى وطمطم» وطور التليفزيون فى المحتوى المقدم للأطفال بصنع بعض المسلسلات الموجهة لهم مثل «زهور من نور – كوكى كاك» وأنتج العديد من الصور والأوبريتات الغنائية مثل «أبو الفصاد – أبريق الشاى – اللعبة» وبعض الأعمال الموسمية مثل «فوازير عمو فؤاد» وظهرت بعض أغانى الأطفال الناجحة فى الأعمال الدرامية مثل «وده مين – كان فى فراشة منقطة» أداء نيللى فى فيلم «اتنين ع الهوا»، «البنات البنات» من مسلسل «هو وهى» «الشاطر عمرو» من مسلسل «أبنائى الإعزاء شكرًا» تدين تلك الفترة لبعض الأسماء مثل «شوقى حجاب – صلاح جاهين – هانى شنودة» الذين صنعوا أنجح أغانى الأطفال.
سوق الكاسيت:
فى أواخر السبعينيات انتشرت أغنية أطفال إسبانية بعنوان «كوكو واوا» الأمر الذى جعل شركة صوت الدلتا تسحب نسخ شريط «وماله» لفرقة طيبة «مودى وحسين الإمام» وتضيف عليه تلك الأغنية بعد تمصيرها، هذا الأمر أسهم فى انتعاش مبيعات الشريط، كان هذا بالتزامن مع نجاح أغنية «توت توت» أداء الممثل عبد المنعم مدبولى التى كتبها سيد حجاب ولحنها عمار الشريعى فى مسلسل «لا يا ابنتى العزيزة 1979» مما جعل الشركة تفكر فى إطلاق شريط كامل للأطفال من غنائه وصدر شريط «توت توت» الذى ضم بعض الأغانى الغربية بعد تمصيرها على يد الثنائى الشاعر «عصام عبدالله» والموزع محمد هلال مثل «البطة اطة – دا دا»
هذا النجاح الكبير جعل الشركة تستمر فى إنتاج شرائط كاسيت مخصصة للأطفال أشهرها شريط «رشا» للمطرب محمد ثروت الذى ضم كوكبة من الشعراء مثل صلاح جاهين الذى كتب «طيور النورس – عيد الميلاد»، إبراهيم رجب «رشا – سلام لماما – منى» وعصام عبد الله الذى كتب أشهر أغنيات الشريط حتى الآن «جدو على» ووضع الألحان طه العجيل وهانى شنودة الذى قام بالتوزيع الموسيقى للشريط، ودخلت شركة «عالم الفن» السباق بإنتاج شريطين مع المطربة عفاف راضى «سوسة – أطفال أطفال» مع الثنائى سيد حجاب – عمار الشريعى وأصبحت أغنيات «هم النم – سوسة – يالا بينا – أصحى يا دنيا» من الأغانى الكلاسيكية المحببة للأطفال حتى الآن.
رغم نجاح تلك التجارب فى أغانى الأطفال إلا أنه لم يستمر كثيرًا فى ظل تفضيل المنتجين الاستثمار فى الأغنية الشبابية الأكثر ربحًا، وظهرت أغانى الأطفال بشكل خجول جدًا لا يتعدى أصابع اليد الواحدة مثل «الدنيا برد» للملحن والمطرب «أحمد منيب»، «جدو يا طيب» للمطرب محمد منير، ومن ثم أصبح إنتاج أغان مخصصة للأطفال مغامرة فنية غير مضمونة الربح فى فترة التسعينيات.
«أغانى أطفال للكبار فقط»
عادت أغانى الأطفال للظهور فى سوق الكاسيت فى عام 2000 فى شريط «فرى ميكس» بأغنية «بابا أوبح» والتى كانت بالونة يجس بها المنتج نصر محروس نبض سوق الكاسيت،أثارت تلك الأغنية الجدل وهاجم بعض النقاد الشاعر «عنتر هلال» لاستخدامه بعض المفردات والتراكيب اللغوية الغريبة والمبتذلة وخرج هلال ليدافع عن نفسه بأنه استوحى مفردات الأغنية من لغة الأطفال فى بداية تعلمهم للنطق لكن كل هذا لم يمنعها من النجاح والانتشار الأمر الذى جعل المنتج نصر محروس ينتج ألبومًا كاملًا لأغانى الأطفال «فرى بيبى» الذى انتشر منه أغنية «بابا فين».
يحسب للمنتج «نصر محروس» أنه حرك ركود أغنية الطفل فى سوق الكاسيت، حيث شجع بعض المنتجين على إنتاج بعض الألبومات مثل «شخبط شخابيط 2007» للمطربة نانسى عجرم هذا الألبوم الذى ظل حبيس الأدراج لفترة طويلة ونجح الألبوم فى محو الصورة السلبية التى ظهرت عليها المطربة نانسى عجرم فى البدايات واستثمرت ذلك النجاح لاحقًا فى مجموعتها الثانية للأطفال «يا بنات 2012» ورغم ذلك لم تسلم أغنية الأطفال من موجة من الهبوط قادتها بعض المؤديات مثل هيفاء وهبى فى ألبوم «بيبى هيفا» و«روزي» فى أغنية «نوسو بابا» وهى الأغانى التى يمكن تصنيفها للكبار فقط وليس أغانى موجهة للأطفال، و عادت للاختفاء من سوق الغناء مرة أخرى بعد ظهور قنوات فضائية مخصصة للأطفال مثل «إم بى سى 3- سبيس تون – طيور الجنة» والتى تسيطر حاليًا على مجال إنتاج أغانى الأطفال.
** نشر في ملف خاص عن ثقافة وفنون الطفل المصري في العدد 1181 من جريدة «القاهرة»، بتاريخ 7 مارس 2023